حال الأمّهات في رَمضان

أم خالد.

ترجمة : لَيلى حَجّار

إن الآراء الواردة أدناه تعبر عن توجهات أصحابها، ولا تتبنى يقظة بالضرورة جميع التوجهات المذكورة في هذا المقال.


يختلف حال الأمهات في رمضان عن حال غيرهنّ ، لا سيّما الأمهات اللاتي لديهنّ أطفال رُضَّع أو صغار جدًا، وذلك بسبب طبيعة هذه المرحلة من الأمومة.

لله الحمد، أنا أمٌّ لخمسة أطفال، ما شاء الله، جميعهم في العاشرة من العمر أو أصغر، وأصغرهم وُلِد منذ عشرة أسابيع فقط. وكل أمٍّ في مثل وضعي تدرك هذه الحقيقة الواضحة: وقتي ليس ملكي.
لا يمكنني تخصيصه كما أشاء أو قضاؤه فيما أرغب، حتى خلال شهر رمضان، من أكثر الأوقات المباركة في السنة! وهو شهر الصيام ، الذي تكثر فيه الطاعات ويقل فيه النوم.

وفي حين يصوم أغلب المسلمين من حولها، ويقلّلون نومهم، ويزيدون من عبادتهم، تجد أمّ الأطفال الصغار نفسها:

لا تصوم، وذلك إن كانت في فترة النفاس، أو تواجه مضاعفات مع الحمل أو الرضاعة.

لا تقلل من نومها، لأنها أساسًا تعاني من الحرمان الشديد من النوم بسبب احتياجات طفلها الرضيع أو طفلها الصغير، التي تبدو وكأنها لا تظهر إلا في منتصف الليل.

لا يتيسر لها الإكثار من العبادات، لأنها كلما حاولت أداء صلواتها الخمس المفروضة، يبدأ طفلها بالبكاء يريد الرضاعة، أو عندما تجلس لتلاوة القرآن أو حفظه، يضرب طفلها الصغير رأسه بحافة الطاولة ويصرخ من الألم، أو عندما تحاول أن تصلي التهجد أو ركعات تراويح قصيرة في جو من الهدوء في غرفتها بعد أن استلقى الأطفال في أسرّتهم للنوم أخيرًا، ينكسر الصمت بمجيء أحد أطفالها مسرعًا إلى غرفتها ليخبرها بأنّ أخاه قد تقيأ على ملاءات السرير التي كانت قد غسلتها للتو.

في كل هذه المواقف، ليلًا ونهارًا، تتنهد هذه الأم، وتضع المصحف الذي كانت قد حملته للتو، أو تخلع ثوب الصلاة الذي كانت قد ارتدته للتو، وتذهب لتعتني بأطفالها وتلبي احتياجاتهم العاجلة التي لا تنتهي.

ثم تشعر بالأسف على حالها، وكأنّها المسلمة الوحيدة في العالم التي لا تصوم، ولا تصلي النوافل، ولا تتلو القرآن في رمضان. ويعتريها شعور بالذنب، وتظنّ أنّها مُقصرة جدًا في عبادتها.

كما ينتابها القلق والخوف، لظنّها أنّها تُضيّع هذا الشهر الثمين الذي من المفترض أن يُخصص للإكثار من العبادات، بينما تراه يمر أمامها بهذه الطريقة! فشهر رمضان فرصة عظيمة، وعدم استغلالها لهذه الفرصة يُشعرها بالإحباط والهزيمة. ومع مرور كل يوم، يزداد قلقها وهي تحسب الأيام المتبقية من رمضان في ظل عجزها عن استغلاله كما ينبغي.

هذه هي التجربة غير المحكية للأمهات اللاتي لديهن أطفال حديثي الولادة، أو صغار، أو أطفال يعتمدون عليهن كليًا في رمضان. وهي غالبًا غير محكية لأنّ هذه الأم تشعر بالسوء تجاه حالها، ولا تودّ الإفصاح عن إحساسها العميق بالتقصير، وهي ترى رمضان يضيع من بين يديها، لذا فهي تراقب بصمت المسلمين وهم يملؤون المساجد، ويستيقظون ليلًا لأداء صلاة التهجد، ويختمون القرآن تلاوةً لمرات عديدة، بينما هي جالسة ترَضّع طفلها.

إن كنتِ أنتِ هذه الأم، فاعلمي يا عزيزتي أمّ الأطفال الصغار، أنكِ لستِ وحدكِ. واعلمي أيضًا أن هناك نوعين من العبادات، كما كتب ابن تيمية رحمه الله:

1. عبادات الجوارح
2. عبادات القلب

قد لا تملكين، في ظل ظروفكِ الحالية، الفرصة لأداء عبادات الجوارح، كأداء النوافل ، أو الصيام، أو قراءة أجزاء كثيرة من القرآن الكريم. لذا، فافعلي بقدر ما تستطيعين من هذه العبادات، لكن إن لم تتمكني من الالتزام بها باستمرار، فلا تيأسي.

لا يزال بإمكانكِ القيام بالكثير من العبادات! ركّزي على العبادات القلبية. فهذه هي جوهر العبادة وحقيقتها الباطنة.

إليكِ بعض الأفكار للعبادات القلبية التي يمكنكِ محاولة التركيز عليها:

١- النية:

لا يخفى على أحد منا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنّما الأعمال بالنيات، وإنّما لكل امرئ ما نوى…”
لذا، انوي إطعام صائم أثناء تحضيركِ وجبات الإفطار والسحور لزوجكِ الصائم وأطفالكِ الكبار، وبإذن الله ستنالين الأجر والثواب.

وفي سياق الحديث عن النية، قال النبي صلى الله عليه وسلم مقولة رائعة أثناء عودته من غزوة تبوك مع صحابته، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
“لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك، فدنا من المدينة، قال: إن بالمدينة أقوامًا ما سرتم مسيرًا، ولا قطعتم واديًا، إلا كانوا معكم فيه.”
قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة؟
قال: “وهم بالمدينة، حبسهم العذر.”

والله يعلم ما هي أعذارك التي حالت دون زيادة عباداتك البدنية، وسيجازيك على ما نويت فعله، حتى وإن لم تتمكني من القيام به.

٢- الشكر:

ازرعي في قلبكِ مشاعر الامتنان لله عز وجل، وتذكّري جميع النعم التي أنعم الله بها عليكِ، بما في ذلك الأطفال أنفسهم الذين يشغِلونكِ عن بعض العبادات البدنية! واشكري الله تعالى من قلبكِ على نعمه العظيمة. ونحن على يقينٍ بأنّ من شكر الله زاده! فقد قال الله تعالى:
﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ…﴾ ( إبراهيم: ٧)

٣- الصبر:

لا يخرج حال المسلم عن أمرين: إما أن يكون في حالة من الشكر، أو في حالة من الصبر. وفي كلتا الحالتين، ينال الأجر من الله تعالى، سواء أصابته سرّاء أو ضرّاء في حياته.
فعن أبي يحيى صهيب بن سنان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“عجبًا لأمر المؤمن! إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سرّاء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرّاء صبر، فكان خيرًا له.”  (رواه مسلم)

٤- الرضا:

وهو شعور داخلي سرعان ما يتلاشى في عصرنا هذا، مع هيمنة النزعة المادية، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وكثرة المقارنات المستمرة مع الآخرين. فالعديد من الناس تغلب عليهم مشاعر السخط والقلق وعدم الرضا، فلا يقدّرون ما لديهم، ويسعون وراء ما ينقصهم. لذا اعملي على غرس شعور القناعة والرضا في قلبكِ بما قدَّره الله لكِ، وبما أعطاكِ إياه، وخاصة في الأمور المادية. وحاولي أن تتجنبي مقارنة نفسكِ بأصدقائكِ، أو أبناء عمومتكِ، أو مؤثري مواقع التواصل الاجتماعي (الذين يبالغون في وصف عطلاتهم، ويخفون بعض التفاصيل من حياتهم، أو يستخدمون الفلاتر في صور السيلفي على أي حال!).
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر ألا تزدَرُوا نعمة الله عليكم.”

٥- الذكر:

يمكن أن تندرج عبادة الذكر تحت أعمال القلب أو أعمال اللسان، فاذكري الله قدر استطاعتكِ أثناء يومكِ، وأنتِ تهتمين بأطفالكِ وزوجكِ وعائلتكِ. يمكنكِ تحريك لسانكِ بالذكر حتى وإن كانت يداكِ مشغولتين، مما يجعل قلبكِ عامرًا بذكر الله.

ومن الأذكار التي يمكنكِ قولها:
أستغفر الله
الحمد لله
سبحان الله
الدعاء لله سبحانه وتعالى
الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم

وهناك العديد من العبادات القلبية الأخرى، لكن هذه المقالة التي طال انتظارها، أصبحت طويلة جدًا بالفعل، ومن المحتمل أن يكون طفلكِ الآن يبكي ويحتاج إليكِ.

اللهم أصلح أمورنا، وطهر قلوبنا، وارحمنا في هذا الشهر المبارك، آمين.


رابط المقال الأصلي : https://muslimskeptic.com/2023/04/11/a-mothers-ramadan/

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *