لماذا يحتفي العالم الغربي بالمقاومة الأوكرانية بينما يُدين المقاومة في فلسطين؟

نادين عسبالي.
ترجمة: لبنى فروق

قد تبدو بعض الأحداث المذكورة في هذه المقالة قديمة بعض الشيء، وذلك لأن هذه المقالة كتبت وترجمت لأول مرة منذ حوالي 8 أشهر، ونحن نعيد نشرها الآن، بسبب الظروف المماثلة التي دفعتنا إلى نشرها للمرة الأولى. الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن جميع توجهات يقظة.


يشيد العالم الغربي بالأوكرانيين الذين يكافحون ضد الغزو الروسي، بينما يشنع على الفلسطينيين الذين يحاربون القمع الإسرائيلي.

لم أعتقد أبدًا أنني سأشغل التلفاز لمشاهدة بث مباشر للتلفزيون الوطني في المملكة المتحدة في صنع 
قنابل مولوتوف كما لو كان تقريرًا عن الطقس أو الانتخابات المحلية.

وبينما تشيد المراسلة بشجاعة وفطنة هؤلاء النسوة – المعلمات والممرضات والمحاميات – اللواتي اتحدن للمساعدة في الدفاع عن بلادهن ضد قسوة القوات الروسية ، لم يسعني إلا أن أفكر: لو كان هؤلاء النسوة ببشرة سمراء يدعون زينب أو خديجة، في مكان ما في الشرق الأوسط أو شمال أفريقيا، برؤوس مغطاة وإنجليزية ضعيفة، هل كنا سنشاهد برنامجًا تعليميًا خطوة بخطوة عن صنع القنابل في الأخبار؟ هل سيتم الاحتفاء بأفعالهم على أنها شجاعة او ملهمة حتى؟

بالطبع، نحن نعرف الجواب بالفعل.

وغني عن القول ان غزو روسيا لأوكرانيا لا معنى له ووحشي، حملة إمبريالية وحشية  لتعزيز غرور المرء وسلطته على حساب حياة أعداد لا تحصى من الأبرياء. وبحق تام أدان الجميع تصرفات الدولة الروسية من السياسيين والمشاهير إلى عموم الناس على وسائل التواصل الاجتماعي. وقد انتشر التضامن وجمع الأموال وتقديم الدعم لأوكرانيا على نطاق واسع، بينما واجهت روسيا عقوبات ومقاطعات دولية شديدة.

لقد كان من المروع والمفاجئ قليلاً، أن نرى مثل رد الفعل هذا من الجمهور البريطاني، الذي يظل في كثير من الأحيان غافلاً وغير متأثر بالأحداث في بقية العالم. على ما يبدو، إذا كنت تتمتع بلون الجلد والعين الصحيحين اضافة الى حالة اجتماعية واقتصادية معينة، فإن معاناتك ستلهم الغضب والتعاطف العالميين؛ ستتحول المباني إلى لون علمك، وسيجمع الأشخاص الذين يرون أنفسهم فيك المال مقابل الملابس والمأوى والطعام والدواء – وحتى الأسلحة لحمايتك.

تغطيةٌ مختلفةٌ تمامًا

لكن رد الفعل العالمي تجاه أوكرانيا لا يتعلق فقط بالتعاطف والدعم اللفظي. يرى العالم الغربي أن دفاع اوكرانيا عن نفسها مسعى نبيل وضروري. فجأة، اصبح السياسيون، الذين لديهم سجل حافل بدعم الغزوات عندما يكون الموقع عبارة عن أرض لسود أو سمر، يحثون روسيا علنًا على التوقف ويوفرون المدافع لتعزيز الدفاع الأوكراني.

وحتى الشخصيات العامة والمشاهير الذين يشاركون في أفضل الأحوال في تهدئة لا معنى لها من قبيل “أنا أدعو إلى السلام على الجانبين” في صراعات أخرى، يدينون علناً، ليس فقط روسيا، بل الثقافة الروسية بشكل عام.

المؤسسات غير السياسية في مواجهة جميع المظالم الأخرى تغرد الآن بالأعلام الأوكرانية وحتى الرجال البريطانيون الذين ليس لهم اي علاقة بأوكرانيا وليس لديهم خبرة عسكرية حملوا السلاح للدفاع عن الدولة الأوروبية الشقيقة.

ولكن عندما يفعل المدنيون السود والسمر ما يفعله الأوكرانيون ــ الدفاع عن منازلهم ضد الغزاة الأجانب، ومحاربة القوى الإمبريالية القمعية ــ فإن التغطية تختلف اختلافاً كبيراً. فالأشخاص السود والسمر – سواء كانوا فلسطينيين أو صوماليين أو يمنيين أو أفغان – يصورون على أنهم عنيفون بطبيعتهم ومهيئون للصراع، وأجسادهم عديمة القيمة لدرجة تجاهل محنتهم بل حتى تشويهها.

اذ يتخذ الدفاع عن النفس موقفا متفاوتا بشدة بين تفوق البيض وكراهية الإسلام؛ إنه عنصري: امتياز للبعض، ووسيلة لتجريم الآخرين.

فعندما يتم ذلك من قبل الغربيين ذوي البشرة البيضاء، فإنه أمر نبيل؛ السعي الضروري الذي يمكن أن يفهمه إخوانهم الغربيين ويضفي الشرعية عليه، ويوقظ قوميتهم التي ظلت خامدة منذ وقت قريب بعد الحرب العالمية الثانية. ولكن بالنسبة لسكان الجنوب العالمي السود والسمر، يتم استخدامه لتجريم وتخليد الأفكار المسبقة عنهم بأنهم همج عنيفون ولدوا في حالات لا مفر منها من المعاناة.

عُذرٌ سهلٌ جدًّا

في رد الفعل على المثل الاستعمارية والاستشراقية، يوصف السود والسمر، وخاصة الرجال ، عمدا بأنهم يمتلكون نوعًا فريدًا من العنف والعدوان. وهذا يبرر على نحو ملائم تقاعس الغرب في العمل للتخفيف من معاناتهم، والتغاضي عن السياسات الخارجية الشرسة التي يتم سنها ضدهم، إنه يخدم الرواية القائلة بأن السود والسمر “الهمجيون” بحاجة إلى التحرر من خلال الأخلاق الغربية المتفوقة.

ويعتاد الوعي الجماعي الغربي على هذه الفكرة الدائمة للشخص الأسود والاسمر على أنه متخلف ووحشي بطبيعته، لدرجة أن أفعالهم للدفاع عن النفس ينظر إليها على أنها مرادفة للإرهاب – حتى عندما لا تختلف عن أفعال الأوكرانيين.

ولكي نتحقق من ذلك، كل ما علينا أن نفعله هو أن ننظر إلى رد الفعل العالمي على التصعيد الإسرائيلي للعدوان على الفلسطينيين، والذي أصبح موافقا لشهر رمضان في السنوات الأخيرة.

اذ يوصف اعتداء الجنود الاسرائيليين على المصلين المسلمين وهم على أيديهم وركبهم على أنه “مناوشات “. بينما يصور اقتحام المسجد اﻷقصى ، وهو ثالث أقدس مسجد للمسلمين، إلى جانب إغﻻق أبوابه وإطﻻق الجنود اﻹسرائيليين للغاز المسيل للدموع عشوائيا، على انه  “تجدد التوترات”.بينما يصور الصحفيون والسياسيون دفاع الفلسطينيين عن انفسهم على أنه سبب الصراع – كما لو أن الصخور هي أي نظير للمدفعية. وتشير المقالات الإخبارية إلى تصادف رمضان وعيد الفصح، كما لو كان العنف نتيجة لمتعصبين دينيين، وليس استعمار المستوطنين.

ويظل رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون صامتاً، بينما يدعو الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إنهاء العنف على الجانبين، فيحجب عن عمد موازين القوى المتفاوتة إلى حد كبير.وفي الوقت نفسه ، تستخدم دول الخليج ثرواتها ونفوذها   للتطبيع مع دولة الاحتلال ، مما يزيد محنة الفلسطينيين.

مُساواةُ المستعمِر بالمستعمَر

لا أحد يدعو “كلا الجانبين” إلى إلقاء أسلحتهما في حرب أوكرانيا. وفي الواقع، يقع على عاتق الدولة الروسية عبء وقف هجومها؛ لا أحد يلمح ضمناً أن دفاع أوكرانيا عن نفسها يزيد من تأجيج الصراع ؛ ولو كان الأمر يقتصر على السماح للقوات الروسية بالغزو والتدمير والاغتصاب ونهب طريقها عبر البلاد. هذا أمر لا يمكن تصوره. لكن هذه هي الطريقة التي يتم بها تصوير المحنة الفلسطينية في وسائل الإعلام الغربية.

بطبيعة الحال ، ليس هذا بالأمر الجديد ، فعلى الرغم من أن منظمة العفو الدولية أصدرت في وقت سابق من هذا العام تقريراً حول الفصل العنصري الذي أصدرته الدولة الإسرائيلية ، واصفاً إياه بأنه “قمع عنصري مؤسس ومطول لملايين الناس” و “جريمة ضد الإنسانية ” مع ذلك ، لا يزال العالم الغربي يتجاهل عمدا محنة الشعب الفلسطيني. بينما الخطاب المناهض للعنصرية يستبعدهم والحركات المناهضة للاستعمار تغض الطرف عنهم.

في أرض بقدم و أهمية فلسطين التاريخية، من السهل على الغرب تصوير الاحتلال غير القانوني كحرب قديمة لا معنى لها نابعة عن العنف العربي الفطري ورفضهم التعايش.

وفي حين أن وسائل التواصل الاجتماعي مليئة بالدعم لأوكرانيا، فقد تحدثت شخصيات البارزة على مواقع التواصل عن تعرضهم لحظر وتناقص عدد المتابعين بسبب نشرهم عن الجرائم التي ترتكبها دولة الاحتلال من بينهم العارضة الهولندية الفلسطينية بيلا حديد التي اشتكت من تضييق الإنستغرام على قصصها عن فلسطين.


المقال الأصلي: Why is Ukrainian resistance celebrated but Palestinians’ condemned?

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *