ALGERIA. December 1960.Ê ALGERIA. The Algerian War. December 1960. The conflict with France and Algeria has lasted for 6 years, splitting the French Colonial powers who wanted to retain an "Algerie Francaise" and the local population led by the rebel FLN (National Liberation Front) who demanded independence. The country was on the brink of an Algerian Republic. France's President General de Gaulle visited Algeria to discuss the matters locally and with French military advisors. This is the farm of a French Colonial owner at Nonancourt that had recently been attacked by FLN rebels, a French army patrol checks the papers of the local Arab population to try and find suspects.

إنهاء الاستعمار في علم النفس

رامي غابريال
ترجمة: لبنى فروق

الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن جميع توجهات يقظة.


في السنوات الأخيرة، تعرض علم النفس للهجوم باعتباره أداة عنصرية للفكر الغربي. لا يمكن لأحد أن ينكر أنه قد تم استخدام علم النفس للإدانة والتصنيف والتقزيم والتلاعب والتغيير من نظراتنا لأنفسنا والآخر بل حتى نظرتنا لوظيفة الحضارة ذاتها. لكن لطالما كانت دراسة العقل في الوقت نفسه جزءًا من قصة مناهضة الاستعمار والتحرير، وهي أداة قوية للتغلب على الوهم والارتباك في مواجهة القمع والاعتداء.

عندما حثت عرافة دلفي المتوسل على “معرفة نفسك”، ما الذي كان يمكن أن يكسبه بالضبط من خلال هته المعرفة؟ الأرجح أنه كان ليتحرر من الوهم من خلال قدرته على فهم دوافعه ومخاوفه وتطلعاته بوضوح. بالنسبة لسقراط، كان الحوار مع شخص آخر هو السبيل لمعرفة النفس، في حين كان الاعتراف بالقوى الخارجة عن سيطرة المرء أمرًا بالغ الأهمية في معرفة النفس بالنسبة لإبكتيتوس. إن “معرفة نفسك” دائمًا ما تكون جزءًا لا يتجزأ من سياق. وهكذا يصبح علم النفس التحرري ممكنًا مع الوعي بأن الذاتية جزء لا يتجزأ من التاريخ والتسلسل الهرمي.

ماذا يحدث عندما يكون السياق الذي يعيش فيه المرء هو القمع الاستعماري؟ إن الشكل الحديث لمعرفة النفس المعروف بعلم النفس هو بمثابة مصدر للمقاومة من خلال السماح للأفراد بصياغة هوياتهم الخاصة في سياقهم الحي. في منتصف القرن العشرين، كان التحليل النفسي بمثابة لغة لهيكلة وتنظير وتوضيح المشهد الداخلي. بعد الحرب العالمية الثانية، عندما حملت الانهيارات الاستعمارية للأرض والناس في إفريقيا والشرق الأوسط الثمرة الغريبة لدول جديدة، قدمت النظرية الديناميكية النفسية إمكانية تحليل طبيعة الصدمة الشخصية والجماعية من خلال الخطاب التحرري.

يشير تقرير صادر خلال هذا العام عن لجنة هولمز للمساواة العرقية في التحليل النفسي الأمريكي (APsA) إلى أن “الاجتماعي” متجذر بعمق في النفس، و أنه “تركيز أساسي للفكر والممارسة في التحليل النفسي”. بمعنى أنه في عالم النازحين، يجب على علماء النفس أن يعرجوا على عواقب التاريخ. علاوة على ذلك، يوفر علم النفس نموذجا للمعرفة الذاتية التي يمكن للأفراد من خلاله التعبير عن تجاربهم واستخلاص تفسيرات لشعورهم بالاضطراب.

في العالم الحديث، نستخدم لغة علم النفس لإدارة وتقييم مفاهيم الفاعلية والإتقان والسلطة. ويوفر علم النفس القدرة على انتقاد السلطة، والتعبير عن المعاناة والإحباط في مواجهة القوى الاقتصادية القمعية التي يجب على الفرد مقاومتها. في السنوات الأخيرة، برز اهتمام قوي بين علماء النفس ل “إنهاء استعمار علم النفس” بهدف عزل واستئصال العنف المعرفي الناجم عن كسوف النماذج الغربية للمجتمع وتعتيم المفاهيم الثقافية المحلية للأخلاق والهوية.

إن تطوير مشهد داخلي يمكن للفرد من خلاله أن يعرف نفسه هو ما أحب أن أسميه “الإمكانات التحررية” لعلم النفس – إمكانات علم النفس في تحريرنا من الاضطهاد. من تزايد المحللين في بوينس آيرس إلى عمل الأفراد البارزين في المارتينيك والهند ومصر وغانا، وفر علم النفس لغة غنية بما يكفي لتخفيف المعاناة ودعم الإحساس بالفاعلية وتوفير أدوات للخطاب. لمعرفة الذات في زمن ما بعد الاستعمار في القرن العشرين وما بعده، ولتحقيق المعرفة التحررية الحقيقية علينا تصور مساحة ذاتية يمكن للمرء من خلالها تحليل عواقب الخضوع على سلوكياتنا وأنماط تفكيرنا، وفهمها في سياق العالم الأوسع.

كان العالم الأمريكي العظيم و .إ. دو بوا طالبًا عند عالم النفس ويليام جيمس في جامعة هارفارد من 1888 إلى 1890. تم توسيع هذا الأساس في علم النفس لاحقًا خلال زمالة بحثية مع علماء الاجتماع في ألمانيا مما أدى إلى تطوير مفهوم الوعي المزدوج في كتاب دو بوا أرواح السود (1903).

يحدد هذا الوعي المزدوج الانقسام النفسي في الرؤى الذي غالبًا ما ينخرط فيه الأمريكيون السود كرد فعل على سوء التقدير والاغتراب الذي تفرضه العنصرية. لاحظ دو بوا أن عند الأمريكيين السود إحساس متشعب بالهوية يجعلهم يصنفون أنفسهم لا كأشخاص مفكرين فحسب ولكن كأجساد سوداء موصومة كذلك. كما جسدها دراميا كل من ريتشارد رايت في الابن الأصلي (1940) ورالف إليسون في الرجل الخفي (1952)، الوعي المزدوج هو أساس متلازمة الدجال. هذا الشك الذاتي في العقل والقدرات التي يبلغ عنها الأشخاص ذوو الإنجازات العالية مستمد من الإحساس المستمر بسوء التقديرالذي يواجهونه من خلال فرض الوعي المزدوج. يخلق الحصار المستمر على كرامة المرء تمزقات بالمعنى الذاتي للقوة. و لقد قدمت المفاهيم النفسية مثل الوعي المزدوج ومتلازمة الدجال للمفكرين البارزين في الفلسفة الأفريقية لغة مفيدة لبحث كيف تحول التمزقات العاطفية للعلاقات غير المتكافئة الإدراك والسلوك.

خلال منتصف القرن العشرين، رسم عالم النفس المارتيني فرانز فانون (1925-1961) مفاهيم مثل الوعي المزدوج ووصمة العار من علم النفس للتعبير عن العصاب الناجم عن المعادلة العنصرية السائدة للشر والتهديد مع البشرة السوداء. لقد قاوم التعتيم والتجريد من الإنسانية الذي جاء به الاستعمار، وسعياً إلى الوضوح، قام بربط الأساليب النفسية للتحليل مع ضرورات الإنسانية والوجودية.

أدى الشعور بالدونية لدى الشعوب المقهورة إلى الشعور بالاضطهاد النفسي والاغتراب.

في الجزائر الخاضعة للاستعمار الفرنسي، لاحظ فانون الممارسات والمعتقدات العنصرية التي تفصل السكان الأصليين عن مستعمريهم من خلال مجموعات من القواعد والمحظورات والواجبات. كان لهذه الخطوط في نهاية المطاف التأثير النفسي المتمثل في إنكار الشخصية عند الأفراد، مما تسبب في الكثير من الوصم بالعار لدرجة أن الناس أظهروا أعراض الاغتراب والتفكك.

استمد فانون من مفاهيم سيغموند فرويد في القمع والحداد والكآبة لفهم وتحليل عواقب الفرض الاستعماري للهرمية العنصرية. كما استمد من العقدة الدونية لألفرد أدلر في تحليل كيف أدى الشعور بالدونية عند الشعوب المستعمَرة إلى مشاعر الاضطهاد النفسي والاغتراب. سعى فانون إلى تحديد الصدمة النفسية للعنصرية بهدف استبدال الدونية بالفخر. من خلال غرس علم الآثار للتنشئة الاجتماعية السامة عند الزنوج في المستعمرات والمدن في هذه المفاهيم النفسية، تمكن مثقفون مثل فانون من صياغة استراتيجيات لحل التنشئة الاجتماعية القمعية. يتجاهل الكثيرون حقيقة أن فرويد نفسه طور التحليل النفسي في سياق دافعه الخاص لتحقيق المعرفة الذاتية كأقلية يهودية مورافية في الإمبراطورية النمساوية المجرية الكاثوليكية.

يمكن لعلم النفس تحديد سبب أو مصدر الأمراض في الفرد، أو في البيئة الاجتماعية. هذه المرونة هي أحد الأسباب التي تجعله شكلاً فعالاً من أشكال المقاومة والتحرير. اندمج استخدام فانون للتحليل النفسي مع تسييس علم النفس في الجزائر خلال فترة الإطاحة بالإدارة الاستعمارية الفرنسية، بدءًا من عام 1954. من خلال منصبه في مستشفى الأمراض النفسية في البليدة- جوانفيل، طور تقنيات لإعادة إحساس المرضى بالقوة وإزالة الأشكال الخفية من الوصم بالعار عن طريق تعديل العلاقة بين الطبيب والمريض. استخدم فانون علم النفس كأداة للنقد الثوري من خلال ربط أسباب المعاناة بالهياكل الاستعمارية. هذا النهج، الذي أكد على أن الأمراض تنشأ من تطبيع العلاقات بين الناس والجماعات، كان بمثابة سياسة فعالة في المقاومة. لقد كان التعبير عن الألم والاغتراب والغضب رفضًا شافياً لعلاقات القوة القمعية، والتي حددها الوضع التاريخي – معرفة نفسك مضمنة دائمًا في سياق.

كان استخدام علم النفس في التحليل والممارسة السياسية لفانون وسيلة لتعزيز الإحساس بالمصلحة كمعرفة للمشهد النفسي الداخلي. لقد أخذ فانون مبادئ التحليل النفسي مثل عقدة الدونية خارج إطار الطب النفسي في معالجة كيف يعاني العقل المستعمَر من الاضطهاد المستمر الذي يبعده عن هويته وقيمه الثقافية. أوضح فانون العلاقة السببية النفسية الحميمية لهذا الواقع القاسي من خلال الربط بين أدوات القمع الذاتية – بما في ذلك التجريد من الإنسانية من خلال الإخضاع المستمر للإرادة والفرص الاقتصادية والفصل الإقليمي – والنضال الثوري الجزائري من أجل الاعتراف بالحرية في وجه الحكم الاستعماري الفرنسي. يؤكد الطب النفسي الحديث أن الأشخاص المبعدين من خلال النفي أو اللجوء يميلون إلى تجربة اليقظة المفرطة والقلق كعواقب علائقية لفقدان منازلهم.

جزء من عملية الاستعمار هو استيراد الروايات التي تضفي الشرعية على التسلسلات الهرمية المفروضة من خلال القوة العسكرية والاقتصادية. في الهند، قاوم المحلل النفسي البنغالي جيريندراسيخار بوس (1887-1953) هذا العنف المعرفي من خلال خلق مزيج فريد من أدفياتا فيدانتا والتحليل النفسي. تؤكد قيادته لأول قسم في علم النفس في الهند في جامعة كلكوتا وكرئيس للجمعية الهندية للتحليل النفسي على أهمية إنجازه. وصف الراحل ألفريد هيلتبيتيل، أستاذ الدين الكولومبي في جامعة جورج واشنطن، استيفاء بوس للنظرية الديناميكية النفسية في النصوص الفيدية القديمة، مثل الأوبانيشاد، بأنه قد قدم أشكال نفسية غنية للنظر في الأخلاق والنظام. كان إنجاز بوس هو الحفاظ على المفاهيم الثقافية المحلية للذات والعقل والخلاص، مع دمج اللغة الحديثة والتقنية للتحليل النفسي.

على النقيض من إلحاد فرويد، كان بوز من البيهاريين الفيدانتيين الذين اعتبروا الدين مسكّنا مفيداً. كانت الاحتياجات التعبدية المتجسدة في عقيدة وممارسات فيدانتا وميمامسا بمثابة المحفز لاستخدام بوس التحرري لعلم النفس. في النهاية، اكتشف تقاطعات عميقة بين المنهجية الاستبطانية للتحليل النفسي ومبادئ الفلسفة الهندوسية، بما في ذلك الطقوس الفيدية القديمة. ونتيجة لذلك، استجاب لفرض الروايات الاستعمارية للتقدم والقيمة والهرمية، والتي كانت قد عفا عليها الزمن في الأنظمة الفلسفية الهندوسية، من خلال دمج النظرية الديناميكية النفسية في الميتافيزيقيا الفيدية بطريقة تحافظ على ممارسات المعرفة المحلية وتعززها. على وجه الخصوص، كان بوس قادرًا على إثبات أن التحليل النفسي نفسه يمكن تأطيره في التقنيات المسكّنة الأقدم والأكثر براعة من ممارسات فيدانتا واليوغا. لقد أبحر بوز ببراعة في الاختلافات بين الميتافيزيقيا المادية الغربية والمفاهيم الهندوسية كالازدواجية والكارما والكاما (الرغبة أو الأمنية)، وقدم لنا مثالاً عن كيف يلهم علم النفس القدرات الثورية المركبة لموضوع ما بعد الاستعمار.

قاوم كل من بوز وفانون الروايات العنصرية لمستعمريهم البريطانيين والفرنسيين باستخدام علم النفس في التطوير والحفاظ على روايات ثقافية أقرب تفتقر إلى تلك المفاهيم العنصرية للقيمة والشرعية.

تقدم مصر الحديثة مثالًا آخر على إمكانات علم النفس القوية لسد الفجوات. في منتصف القرن العشرين بالقاهرة، احتل علم النفس الشعبي والأكاديمي مكانة بين التقاليد البيولوجية مثل الطب من ناحية، والتقاليد الوصفية مثل القانون من ناحية أخرى. وهكذا يمكن تطبيق علم النفس في المؤسسات داخل الدولة الحديثة. بالفعل، حضر الضباط الأحرار الذين دعموا جمال عبد الناصر محاضرات حول التحليل النفسي وأدرجوا هذه المعلومات في خططهم التنظيمية للدولة.

وفي الوقت نفسه، وضعت دائرة من المثقفين في القاهرة توليفة جذرية من نظرية فرويد والإسلام الصوفي التي قاومت الأصولية الدينية المزدهرة من ناحية والتبعية العمياء للحداثة الغربية من ناحية أخرى. أعجبت دائرة المفكرين ليوسف مراد بالقيم الإنسانية للتنوير، لكنها ساهمت أيضًا في الرفض الراديكالي للاستعمار الأوروبي. لقد طوروا مفاهيم رسخت النواة الجماعية للمجتمع المصري من خلال التأكيد على كيفية التنشئة الاجتماعية للذات من خلال الأسرة والمجتمع والدولة. ولسد الفجوة بين الطريقة القديمة والجديدة، تم مواءمة علم النفس مع الموارد المحلية المضمنة في الإسلام الصوفي ؛ هذه الطريقة، كانت أداة مفيدة.

تم دمج البرنامج الأخلاقي للإسلام مع النصوص النفسية الحديثة في الصحة العقلية.

على سبيل المثال، وفر التحليل النفسي طريقة لتحليل التطور النفسي الجنسي بلغة علمية لم تكن محظورة أخلاقياً. كما تم استخدامه لتكييف مفهوم الغريزة للفيلسوف الفارسي الغزالي في القرن الثاني عشر في سياق دارويني. غالبًا ما خضعت هذه المساحة من الموضوعية المنفتحة للرقابة من قبل النخب الدينية.

في العربي فرويد (2017)، تصف المؤرخ أمنية الشكري كيف استخدم المثقفون القاهريون مثل مراد علم النفس كلغة تحررية منهجية لتوحيد الاستبطان والوضعية والظواهر مع الإسلام. قام هؤلاء المثقفون بتوليف التحليل النفسي ومفهوم الحدس الذي طوره الفيلسوف الفرنسي هنري بيرغسون مع تقاليد سابقة من البصيرة الروحية والمعرفة في الصوفية من خلال التأكيد على الاستمرارية. قدم علماء النفس القدماء مثل ابن عربي (1165-1240) مفاهيم صوفية استخدمها مفكرون مثل أبو الوفاء الغنيمي التفتازاني (1930-94) لدمج مفهوم اللاوعي كعنصر منعزل للعقل مع المفهوم الصوفي للباطن (المخفي). تم دمج البرنامج الأخلاقي للإسلام، الذي أكد على الطريق (السبيل) للمسافر الصوفي كمعركة بين تطور الفهم والغرائز الأساسية للإنسان، مع النصوص النفسية الحديثة التي تتناول الصحة العقلية.

زود هذا النوع من التأطير الديناميكي النفسي الناس بالأدوات الخطابية ليس لفهم دوافعهم الخاصة فقط، ولكن أيضًا لصياغة أطر يمكنهم من خلالها البحث في الأمور الأخلاقية. يؤكد استخدام علم النفس في كل من الهند ومصر على أنه لغة مرنة تسمح للمثقفين بابتكار شعور بالذاتية بشكل خلاق يجمع بين ممارسات المعرفة الأصلية والمستوردة من أجل التكيف مع أوضاع ما بعد الاستعمار.

اتبع عالم الأنثروبولوجيا إم جي فيلد خطًا مشابهًا في توظيف الطب النفسي العرقي لدراسة الثقافة المحلية في غانا خلال منتصف القرن. إن تحليل فيلد الدقيق للانتشار الواسع للسحر والروحانيات كشكل من أشكال علم النفس يجعل المعتقدات المحلية ترقى إلى نفس مستوى الأفكار المستوردة من الغرب. باختصار، يمكن أن تتوسط لغة علم النفس بين أنظمة الإيمان البديلة بطريقة لا تنكر أو تقوض الشرعية عن ممارسات المعرفة المحلية. إذا كان للمشروع الاستعماري أن يحل محل، وبالتالي، أن يمحو، فإن علم النفس يمنع تجريد الثقافات الأصلية من إنسانيتها من خلال تقديم القواسم المشتركة للحالة الإنسانية. للأفضل أو للأسوأ، هذا ما يجعل من أحكامها ذات عواقب أخلاقية.

تضمن الشكل الفريد للاستعمار في غرب إفريقيا الذي حلله فيلد تضمن الميثودية والمشيخية والهوية القبلية والممارسات المحلية. الديانة التقليدية الرئيسية في غانا هي أكان، التي تتمحور حول إله أعلى، مع وجود العديد من المجموعات الفرعية، مثل فانتي وأشانتي وأكوابم. تعمل هذه المجموعات الفرعية كأساس للهويات المجتمعية والجماعية التي تنتشر في جميع أنحاء البلاد من خلال روابط الزواج والتجمعات الاقتصادية و الهرمية الاجتماعية عبر مراكز السلطة المختلفة لهته المجموعات. تم دمج دين الأكان مع المسيحية منذ الموجات الأولى للمستعمرين الأوروبيين بدءا من القرنين الخامس عشر والسادس عشر،  مع ذلك ما تزال بعض المجموعات تحتفظ بممارساتها الثقافية المميزة.

في نصها الكلاسيكي البحث عن الأمن (1960)، تصف فيلد كيف تم تعديل علم النفس التقليدي القائم على التقاليد اليهودية المسيحية الفردية في سياق علم الكونيات الأكاني. كما هو الحال في العديد من الروايات التوراتية، يصر الريفيون الغانيون على انتشار التلبس الروحي حيث يقوم الشخص الممسوس بالتنبؤ. هنا، يتم سن الطقوس السحرية والطبية من خلال وساطة السومان (تعويذة أو سحر). الطقوس التي قامت بدراستها هي الممارسة النفسية التي من خلالها يتصرف الأفراد بذنبهم. تدون فيلد: تجتمع الشعوذة … بالحاجة الملحة للانغماس في لوم الذات غير العقلاني والتنديد بالنفس على أنها شريرة بشكل لا يوصف.

تصف فيلد كيف أن نظام الاعتقاد الذي يعتمد على السحر ويستخدم مفاهيم مثل kra (الروح) و sunsum (العقل) لشرح الاضطرابات النفسية يشكل شكلاً من أشكال علم النفس الذي تتمثل وظيفته في تشكيل المشهد الداخلي للفرد و توفير لغة يمكن للمرء أن يدلي بها في مجتمعه.

يوفر علم النفس مرآة ذاتية للتفاعل الاجتماعي عبر الثقافات وأنظمة القيم.

يسعى السحر إلى تحقيق أهداف مماثلة لأهداف علم النفس: تخفيف المعاناة وإدارة الصدمة والعار الذي يعاني منه الفرد في سياقه المحلي. ومع ذلك، فإن الشمولية المفترضة للمؤسسات الاستعمارية غالبًا ما تعمل على تعتيم الحقيقة التاريخية والتجريبية المتمثلة في أن التقاليد المحلية تخلق عوالم مأهولة متميزة بشكل كبير. يمكن تصوير ممارسة أكان على أنها سحر لأغراض التطهير النفسي، ولكن لها استخدامات أخرى للهوية والتكيف العاطفي والممارسات الميتافيزيقية التي تنطوي على حالات ذهنية صوفية في أنظمة كونية متميزة. إنها الصياغة التاريخية للهوية في سياق المفاهيم الميتافيزيقية مثل الخيوط المعقدة لممارسات أكان والمسيحية والروحية التي تشكل طريقة حياة الفرد. وهذا يعني أن علم النفس كوسيلة لمعرفة الذات لا يمكن فصله عن الثقافات الحية المعقدة للعصر.

وهذا ما يثير الدافع وراء علم النفس الاستعماري: في أن العلوم الإنسانية هي بالضرورة فرض استعماري خلقت من قبل المجتمع الفكري الغربي. هذا تفسير قوي، ومع ذلك فإن علم النفس مرن ويمكن تكييفه مع الطرف الآخر. بحيث يمكن استخدام علم النفس لاستعمار الطريقة التي نفكر بها حول عقولنا وأجسادنا، ولكن يمكن استخدامه كذلك كلغة للتحرر من هذه الإلزامات.

من خلال معالجة الطبيعة الاستعمارية للعلوم الإنسانية، جمع علماء النفس بول بارين وغولدي بارين ماتاي وفريتز مورغنثالر بين الأساليب الإثنوغرافية والتحليل النفسي لاستكشاف العلاقات بين الذات والمجتمع عبر الثقافات. أدت المقابلات والمشاورات المكثفة في مالي في الخمسينيات إلى التحليل النفسي العرقي، وهي طريقة جديدة لتقييم كيفية تشكيل الممارسات الاجتماعية، خاصة فيما يتعلق بالأعراف الجنسية والقلق الذي تسببه، لهوية الأنا. على سبيل المثال، وضعوا نظرية لكيفية عمل ما يسمى بالانحرافات الجنسية لتعدد الزوجات في سن المراهقة كحلول إبداعية للصعوبات النفسية الناشئة في النمو المبكر. قاد هذا العمل مورغنثالر للنظر في تطلب الطبيعة الذاتية العميقة للعقل للمعرفة المتبادلة، أو التكامل، لتوليد الشفاء العاطفي. يشير هذا إلى نموذج للشفاء من خلال لغة متطورة ومشتركة تمكّن من فهم ثقافتنا المشتركة وحياتنا الداخلية وتحليلها وإيصالها.

يوفر علم النفس مرآة ذاتية للتفاعل الاجتماعي عبر الثقافات وأنظمة القيم. تسمح هذه الذاتية الموضوعية بتطوير القيم والأخلاقيات والتفاهم. من خلال تطبيقها، تخلق هذه المرايا مساحة للنظر في عدم قابلية التجربة الإنسانية للاختزال.

كمجموعة من الممارسات العلاجية، يمكن لعلم النفس إعادة هيكلة الذاتية في سياق سياسي وذلك لممارساته التي تربط الأفراد من خلال قيمهم المشتركة. لاحظنا ذلك في أعمال فرانز فانون، جيريندراسيخار بوس، إم جي فيلد ويوسف مراد. بالنسبة لهم، يشكل علم النفس الإمكانات الفاعلية للموضوع السياسي؛هذا هو منبع الحركة الحالية في تحرير علم النفس.

خلال اضطرابات القرن العشرين، انتشر الأفراد في جميع أنحاء العالم. باستخدام الرموز والأساليب المشتركة، استخدم علم النفس لخدمة محن الشعوب المشردة. في هذا الصدد، فقد ساعد علم النفس على إشباع الدافع البشري للإحساس والهدف من خلال توفير تقنيات لتعزيز الفاعلية والإتقان.. في الواقع، تشير القدرة البشرية الفريدة على التفكير على أن المعرفة هي شكل من أشكال القوة. ما يوفره علم النفس هو اللغة التي من خلالها تمارس تلك السلطة ثم تحرير المضطهدين من خلال الكشف للأفراد عن السياق الذي يتواجدون فيه.


المقال الأصلي: Decolonising psychology
مصدر الصور: MagnumPhotos, The Algerian War.

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *